استثمار في الأمان الرقمي - بقلم ممدوح السمري

صحفيون
By -

 


بقلم: ممدوح السمرى 


استثمار في الأمان الرقمي

لم تعد الهجمات السيبرانية مجرد خطر افتراضي، بل أصبحت واقعاً يهدد استقرار الحكومات و الشركات و حتى الأفراد. 


كل دقيقة تمر تشهد محاولات جديدة لاختراق الأنظمة و سرقة البيانات أو تعطيل الخدمات، و مع كل تطور تكنولوجي جديد تظهر ثغرات و تحديات غير مسبوقة. 


في هذا السياق، يبرز تدقيق تكنولوجيا المعلومات كخط الدفاع الأول و”العين الساهرة” التي تضمن سلامة البنية الرقمية للمؤسسات و الدول. 


لم يعد التدقيق خيارًا ثانويًا أو إجراءً روتينيًا، بل أصبح استثمارًا استراتيجيًا في الأمان الرقمي، خاصة في مصر التي تخوض سباقًا متسارعًا نحو التحول الرقمي وسط تنافس إقليمي و عالمي شديد.


‎تدقيق تكنولوجيا المعلومات هو عملية منهجية تهدف إلى تقييم الأنظمة التقنية، السياسات، و الإجراءات داخل المؤسسة بهدف التأكد من فعاليتها و كفاءتها في حماية المعلومات و ضمان استمرارية الأعمال. 


يشمل التدقيق مراجعة شاملة للبنية التحتية التقنية، تحليل نقاط الضعف، اختبار الأنظمة، مراجعة الامتثال للمعايير المحلية و الدولية، و تقديم التوصيات اللازمة لسد الثغرات و تحسين الأداء. في 


مصر، أصبح هذا النوع من التدقيق ضرورة ملحة، ليس فقط بسبب متطلبات التشريعات المحلية مثل قانون حماية البيانات الشخصية، بل أيضًا بسبب التوجه الحكومي الجاد نحو رقمنة الخدمات و توسيع نطاق الاقتصاد الرقمي.

خلال السنوات الأخيرة، شهدت مصر طفرة في مشاريع التحول الرقمي، بدءاً من رقمنة الخدمات الحكومية، مروراً بتطوير البنية التحتية للاتصالات، وصولًا إلى إطلاق استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات. هذا التقدم الملحوظ وضع مصر في موقع متقدم إقليميًا، حيث احتلت مراكز متقدمة في مؤشرات جاهزية الحكومة الرقمية و الشمول المالي الرقمي. إلا أن هذه الإنجازات جلبت معها تحديات جديدة، أبرزها تصاعد التهديدات السيبرانية، و زيادة تعقيد البنية التحتية الرقمية، و الحاجة المستمرة لتطوير الكوادر البشرية المتخصصة في مجالات التدقيق والأمن السيبراني.


‎عند مقارنة الوضع المصري بدول المنطقة، نجد أن التحديات متشابهة من حيث الحاجة لتطوير التشريعات، رفع الوعي، و توفير التدريب المستمر للكوادر. 


إلا أن بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات والسعودية، قطعت شوطًا كبيرًا في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي و تحليل البيانات الضخمة في عمليات التدقيق، ما منحها قدرة استباقية أكبر على اكتشاف التهديدات و تقييم المخاطر. 


عالمياً، تتجه كبرى المؤسسات نحو تدقيق تكنولوجي ذكي يعتمد على الأتمتة و التحليل اللحظي للبيانات، مما يختصر الوقت و يقلل من الأخطاء البشرية، و يمنح المؤسسات قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بالثغرات و التعامل معها قبل وقوعها.


‎في مصر، بدأت بعض المؤسسات الكبرى، خاصة في القطاع المصرفي و الاتصالات، في تبني أدوات تدقيق متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي و تحليل البيانات، مما ساهم في رفع كفاءة اكتشاف الهجمات السيبرانية و تقليل الخسائر الناتجة عنها. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة بين المؤسسات الكبرى و باقي السوق، حيث تعاني العديد من الشركات الصغيرة و المتوسطة من نقص الموارد و الخبرات اللازمة لتطبيق تدقيق تكنولوجي فعال. 


هذا الواقع يفرض على الدولة والقطاع الخاص ضرورة التعاون لتوفير برامج تدريبية متخصصة، و دعم الابتكار في مجال أدوات التدقيق، و تطوير أطر تشريعية مرنة تواكب سرعة التغيرات التكنولوجية.


‎الأمان الرقمي لم يعد ترفاً أو رفاهية، بل هو شرط أساسي لاستمرار الأعمال و بناء الثقة مع العملاء و الشركاء و المستثمرين. فكل اختراق أو تسريب بيانات قد يكلف المؤسسة خسائر مالية ضخمة، و يضر بسمعتها لسنوات قادمة. 


تدقيق تكنولوجيا المعلومات يمكّن المؤسسات من اكتشاف نقاط الضعف مبكراً، و تقييم فعالية إجراءات الحماية، و ضمان الامتثال للمعايير الدولية، ما يعزز قدرتها على المنافسة في الأسواق الإقليمية و العالمية.


‎من جهة أخرى، يمثل تدقيق تكنولوجيا المعلومات أداة فعالة لدعم اتخاذ القرار الاستراتيجي، حيث يوفر للإدارة العليا تقارير دقيقة و تحليلات عميقة حول الوضع الأمني للمؤسسة، و يساعدها على تحديد أولويات الاستثمار في البنية التحتية الرقمية. كما يساهم في تحسين كفاءة العمليات التشغيلية من خلال اكتشاف أوجه القصور التقنية، و تقديم حلول عملية لرفع الأداء وخفض التكاليف.


‎على مستوى الدولة، يعد تدقيق تكنولوجيا المعلومات محوراً أساسياً في تحقيق رؤية مصر 2030 للتحول الرقمي، حيث تعتمد الحكومة على تقارير التدقيق في تطوير السياسات، و تحديث التشريعات، و تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين. 


كما يمثل التدقيق الرقمي عنصرًا حيويًا في حماية البنية التحتية الوطنية الحساسة، مثل قطاعات الطاقة، النقل، الصحة، و التعليم، من الهجمات السيبرانية التي قد تهدد الأمن القومي.


‎و لكي تحقق مصر الريادة في هذا المجال، يجب الاستثمار المستمر في تطوير الكوادر البشرية، و تبني أحدث أدوات و تقنيات التدقيق، و تعزيز التعاون بين القطاعين العام و الخاص، بالإضافة إلى تحديث الأطر التشريعية والتنظيمية بما يواكب التطورات العالمية. كما يجب تشجيع البحث العلمي و الابتكار في مجال تدقيق تكنولوجيا المعلومات، و دعم الشركات الناشئة المتخصصة في تطوير حلول أمنية متقدمة.


‎في النهاية، يمكن القول إن تدقيق تكنولوجيا المعلومات هو استثمار استراتيجي في الأمان الرقمي، و الذى يضمن للمؤسسات المصرية القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة و كفاءة. و مع استمرار التحول الرقمي، سيظل التدقيق الذكي و المتطور هو الضمان الحقيقي لحماية البيانات، و تعزيز الثقة، و تحقيق النمو المستدام في الاقتصاد الرقمي المصري، ليكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة و العالم.