بقلم: المستشار محمد الجعيدى
يشكل مبدأ سقوط العقوبة بالتقادم أحد أركان العدالة الجنائية الحديثة، ويعكس الفهم الإنساني لتغير الظروف بمرور الوقت. إلا أن المشرع المصري استثنى جرائم الاتجار بالمخدرات من هذا المبدأ بنص صريح في المادة 46 مكرراً (أ) من قانون المخدرات، لتظل العقوبة قائمة مدى الحياة.
هذا الاستثناء يثير علامات استفهام، خاصة وأن هناك جرائم أشد وطأة على النفس البشرية مثل القتل العمد، تسقط عقوبتها بعد مرور 20 سنة، وهو ما يعني أن المجتمع والدولة يختاران في وقت معين إسدال الستار على الواقعة.
التمييز بين الجرائم في مسألة التقادم ينبغي أن يكون مبنيًا على معايير واضحة، كدرجة الخطورة ومدى تهديدها للأمن العام. لكن، في حال الاتجار بالمخدرات، ورغم خطورته، فهل من العدالة أن يبقى المتهم مهددًا بالسجن المؤبد حتى وفاته، حتى وإن مرت عقود دون ضبطه؟
المشرع ربما أراد الردع العام والخاص، لكنه أغفل أن هناك جنايات تهز أركان المجتمع أكثر من الاتجار بالمخدرات، وتسري عليها قواعد التقادم. وهذا ما يجعل النص محل جدل قانوني واسع وشبهة بعدم الدستورية.
يجب أن نعيد النظر في هذا الاستثناء، فالعدالة لا تقتضي فقط توقيع العقوبة، بل التوازن بين الردع والإصلاح، وعدم نبش الماضي دون طائل. إن تساوي المراكز القانونية للمتهمين في الجرائم الجسيمة يفرض أن يتساووا أيضًا في الحقوق، وعلى رأسها تقادم العقوبة.