في ظل اقتراب الاستحقاقات البرلمانية الجديدة، يعيد محمود عواد، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وحقوق الإنسان، فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في الحياة السياسية المصرية: العلاقة المضطربة بين الناخب والنائب، ودور المال السياسي في تشكيل المشهد الانتخابي.
يؤكد محمود عواد أن التجربة الانتخابية خلال السنوات الأخيرة كشفت عن مجموعة من السلبيات المتراكمة التي أصبحت جزءًا من المشهد، وأبرزها لجوء عدد من المرشحين إلى شراء الأصوات بشكل مقنَّع من خلال توزيع «الكرتونة» أو مبالغ مالية رمزية مثل الـ200 جنيه، في محاولة مباشرة للتأثير على إرادة المواطنين.
بيع الصوت… أزمة وعي؟ أم أزمة احتياج؟
يشير عواد إلى أن هذه الظاهرة لا يمكن اختزالها في كونها مجرد فساد انتخابي فقط، بل هي نتاج ظروف اقتصادية صعبة، وغياب ثقافة سياسية لدى شريحة من الناخبين، جعلت بعضهم يعتبر أن الدور الحقيقي للنائب ينحصر في تقديم مساعدات فردية وليس في التشريع والرقابة وخدمة الدولة ككل.
ويؤكد أن كثيرًا من المواطنين أصبحوا يتعاملون مع المرشح باعتباره “صاحب مصلحة شخصية”، وليس ممثلًا للشعب. في المقابل، يستغل بعض المرشحين هذا الاحتياج، ليحوّل العملية الانتخابية إلى معركة كراتين وأموال بدلًا من أن تكون منافسة برامج ورؤى وسياسات.
العلاقة بين النائب والناخب… خلل يحتاج لتصحيح
يرى محمود عواد أن العلاقة الحالية بين الطرفين أصبحت مبنية على منطق المنفعة السريعة: الناخب يختار من يقدم له 200 جنيه أو كرتونة، والمرشح يشتري الولاء المؤقت ليصل إلى البرلمان. ويصف عواد هذا الوضع بأنه “أكبر تشويه للدور الحقيقي للنائب”، الذي يجب أن يراقب الحكومة ويشارك في صناعة السياسات العامة، لا أن يتحول إلى “ماكينة خدمات” فردية.
ويؤكد أن هذا الخلل لا يؤثر على جودة النواب فقط، بل ينعكس على الأداء البرلماني بالكامل، ويضعف الدور الرقابي، ويُفسد فكرة التمثيل النيابي القائم على الكفاءة والخبرة والقدرة على التشريع.
ماذا يريد المواطن؟
يقول عواد إن المواطن المصري اليوم أصبح أكثر وعيًا مما كان عليه، لكنه ما زال يحتاج إلى الانتقاء في اختيار من يمثّله. ويضيف أن الانتخابات ليست مجرد “فرصة للحصول على مساعدة”، بل هي أهم خطوة في اختيار صناع القرار القادرين على تغيير مستقبل الدائرة والدولة معًا.
ويطالب المواطنين بالتركيز على:
سيرة المرشح المهنية
تاريخه في العمل العام
رؤيته وبرنامجه
مدى قدرته على الدفاع عن مصالح الناس داخل البرلمان وليس على أبواب البيوت
دعوة لإعادة تعريف معنى النائب
يختتم محمود عواد حديثه بالتأكيد أن ضياع مفهوم “النائب الحقيقي” هو أصل الأزمة. ويضيف:
“إذا ظل الناخب يبيع صوته مقابل 200 جنيه، سيظل النائب يبيع وعوده ويغيب دوره في البرلمان. المطلوب أن نستعيد قيمة الاختيار… ونستعيد قيمة البرلمان.”
