صقر الكاظم
طبيب ورجل أعمال سعودي
في القيادة، لا تبدأ الرحلة بخطةٍ ولا تنتهي بإنجاز، بل تبدأ بفكرة.
والفكرة حين تخرج من عقل القائد، لا تسير وحدها، بل تبحث عن عقلٍ آخر يفهمها وقلبٍ يؤمن بها. هنا تبدأ العلاقة الحقيقية بين القائد وفريقه: علاقةٌ لا تُبنى على الأوامر، بل على الفهم المشترك.
عندما نتحدث عن فريقٍ ناجح، فإننا نتحدث عن قلبٍ ينبض بتناغمٍ منتظم، كل نبضة فيه تمثّل عملاً، وكل خليةٍ تعبّر عن مسؤولية. وأي اختلالٍ في هذا الإيقاع مهما كان صغيرًا — ينعكس على أداء القلب بأكمله.
كذلك الفريق، عندما يختلف أفراده في فهم الهدف أو طريقة التفكير، يختل النظام وتضيع الطاقة في إعادة التوازن بدل التقدّم.
القائد الحقيقي لا يقيس قوة الفريق بسرعة استجابته، بل بعمق فهمه. فالفهم هو نقطة التحوّل التي تجعل من “التنفيذ” مشاركةً لا طاعة، ومن “الفكرة” رؤيةً مشتركة لا مجرّد أمرٍ صادر من الأعلى.
إنه الفهم الذي يولّد الانسجام، ويحوّل الفريق من مجموعة أفرادٍ إلى منظومةٍ واحدةٍ تتحرّك كجسدٍ واحدٍ بروحٍ واحدة.
القائد الواعي يعرف أن طريقته في التفكير هي البوصلة التي تحدد للفريق اتجاهه نحو الفهم والعمل.
فإذا كانت نظرته ضيقة، ضاق أفق الفريق، وإذا كانت نظرته عميقة، تعمّق وعيهم واتسع إدراكهم.
ولهذا، لا يمكن أن نطلب من الفريق دقة التفكير ما لم نقدّم له وضوح الرؤية. ولا يمكن أن نطالبهم بالإبداع إن لم نمنحهم مساحة الخطأ والتعلّم والنمو.
إن أسوأ ما قد يفعله القائد هو أن يظن أن الكمال في سيطرته، بينما الكمال الحقيقي في انسجامه مع من حوله.
فالفريق ليس آلة، بل كائنٌ حيّ يتغذّى من طاقة القائد، ويتنفس من فكره، وينمو حين يشعر أنه جزء من الفكرة لا مجرّد منفّذٍ لها.
في النهاية، القيادة ليست أن تجعل الجميع يتبعونك،
بل أن تجعلهم يفكرون مثلك… ثم يبدعون أكثر منك.