الإسكان الاجتماعي بين اقتصاديات السوق والفئة المستهدفة

 بقلم: م. طارق الخبيري حماد – خبير التنمية العمرانية وتطوير العشوائيات

يُعَد الإسكان الاجتماعي أحد أهم أدوات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية وسد فجوة الاحتياج السكني لدى الفئات الأقل من المتوسطة، وهو ليس مجرد مبانٍ سكنية، بل مشروع عمراني واقتصادي واجتماعي متكامل ينعكس تأثيره على استقرار المجتمع وتنمية العمران المصري.

دور الإسكان الاجتماعي في العمران المصري

تُعَد هذه الفئة من السكان الأكثر عرضة للجوء إلى العشوائيات، نتيجة ارتفاع أسعار السكن الرسمي وصعوبة الوصول إلى مسكن ملائم بالقرب من أماكن العمل، وهو ما يدفعها لاختيار مواقع غير مخططة توفر تكاليف انتقال وحياة يومية أقل. لذلك فإن توفير وحدات سكنية مناسبة لتلك الشريحة يساهم في حماية الدولة من توسع العشوائيات، وفي الوقت نفسه يعزز من استقرار النسيج العمراني والاجتماعي.

الموقف الحالي للإسكان الاجتماعي

منذ ستينيات القرن الماضي وحتى بدايات الألفية، تبنّت الدولة مشروعات إسكان مدعومة لتغطية احتياجات هذه الفئة، إلا أن زيادة الطلب وتراجع القدرة الاقتصادية للأسر خلق فجوة سكنية وعجزاً كبيراً، وصل في بعض الحالات إلى قوائم انتظار امتدت لعشر سنوات وأكثر.

لكن في السنوات الأخيرة تغيرت سياسات الدولة، حيث تبنّت مبدأ التكلفة بدلاً من الدعم، وأدخلت البنوك كطرف داعم عبر برامج التمويل العقاري. ومع احتساب قيمة الأرض والشبكات (التي لم تكن محسوبة سابقاً)، ارتفعت أسعار الوحدات لتصبح أقرب إلى فئات فوق المتوسطة، وهو ما قلّص من جدوى البرنامج كإسكان اجتماعي حقيقي.

التوقعات المستقبلية

إن تهميش الدعم الموجه للفئات محدودة الدخل في مجال الإسكان ستكون له انعكاسات سلبية على خطط الدولة لمحاصرة العشوائيات مستقبلاً. فالعمران ليس مجرد وحدات سكنية، بل شبكة مترابطة من أبعاد اجتماعية واقتصادية وعمرانية، وأي خلل في عنصر منها يهدد استقرار المنظومة ككل.

رؤية مقترحة

إن دعم الدولة لهذه الفئة ليس رفاهية، بل ضرورة لحماية استثماراتها وخططها التنموية. فما يُنفق على الإسكان الاجتماعي ينعكس لاحقاً في صورة استقرار اقتصادي واجتماعي. ومن هنا يمكن اقتراح أن تتحمل الدولة تكلفة الأرض والشبكات، مع الإبقاء على تكلفة الإنشاء، وتقديم تسهيلات أكبر في السداد. على أن يتم ذلك وفق دراسة تفصيلية للاحتياجات الفعلية وتوزيعها الجغرافي، بما يضمن وصول الدعم إلى المستحقين الحقيقيين.

✍️ المهندس طارق الخبيري حماد

خبير التنمية العمرانية وتطوير العشوائيات